[URL=http://up108.arabsh.com/]
[/UR
جلست سامية قبالة زوجها تحدثه بهدوء عن أحداث اليـوم وسردت على مسامعه عناء البحث ومشقة العثور على عروس لابن أخيها. تنهدت قبل أن تبتسم قائلة: "يريد فتاة بمواصفات حالمة.. لقد أتعبنا جدًّا..."، وفجأة وبينما واصلت الزوجة روايتها، قطعت ابنتها "هالة" طرف الحوار وأردفت بثقة: "ليتزوجني أنا.. هل سيجد أحلى وأجمل مني؟".
هالة في الصف السادس الابتدائي، واصلت كلامها أمام العيون الناظرة إليها بكامل الدهشة والاستغراب: "ما بكم؟.. لست صغيرة"، واستدركت لتفجر قنبلتها: "أفهم كل شيء". أخفت الأم حشرجة صوتها وغصة غلّفت كيانها، وحاولت جاهدة الابتسام لزوجها وهي تعترف: "هالة طفلة.. إنها تمزح".
تفاصيل المشهد الذي نقلته الأم لـ"إسلام أون لاين.نت" لم تنته بعد، فطفلتها "هالة" أمطرتها بعبارات وألفاظ كأنها فتاة في العشرين من عمرها، وضاربة كفًّا بكف قالت الأم: "النظرة، الكلمة، الخطوة، كلها حركات بنت كبيرة وناضجة".
أين البراعم؟
وفي محاولة منها لتدارك ما جرى بدأت الأم جاهدة في جذب طفلتها نحو عالم براءتها وطفولتها من جديد، وتساءلت باستنكار: "أيعقل لفتاة في الحادية عشرة من عمرها أن تحب وتصرح بمعاني الإعجاب؟".
"إسلام أون لاين.نت" طرقت أبواب القلوب بحذر من يسير في حقل من الألغام تكاد قنابله أن تنفجر في أية لحظة، وبرفق شديد طرحنا السؤال: "أين ذهبت براءة الفتيات؟".
ابتسامة هنا.. ورد منطقي هناك، صمت من هذا.. وهروب من ذاك، نفي من هذه.. وتأكيد من تلك.
"ماهر.ش" المدرس الشاب في إحدى مدارس البنات الإعدادية انتابته الصدمة، وظن أنه في كابوس حين صارحته تلميذته المتفوقة في الصف الثاني الإعدادي (13 عامًا) بمدى شغفها به، وسلمته ورقة نزفت فيها مشاعرها وولهها.
وبنبرات التعجب حدثنا قائلاً: "لم أكد أصدق نفسي إزاء هذا المشهد.. فكرت في استدعاء والديها، ثم تراجعت خوفًا من فهم المسألة خطأ، وأن تتفاقم المشكلة، تحدثت إلى الطالبة وأفهمتها أنني أعتبرها وسائر الفتيات كأخواتي الصغار..."، وصرح بأن جرعات الأسى والحسرة على هذا الجيل انتابته وهي تواصل تأكيد حبها إياه، وأنها في انتظاره إلى حين تنهي دراستها. وأمام هذا الموقف حسم "ماهر" قراره وحزم أمتعته وغادر تلك المدرسة إلى أخرى.
ليس غريبًا
"هل أنا صغيرة" لافتة ترفعها "هبة" (13 عامًا) في وجه والدتها كلما أمرتها بالذهاب إلى غرفتها بعيدًا عن جلسات النساء، فتروي الأم قائلة: "تصرفاتها وتفكيرها كشابة لا كطفلة.. لا يحلو لها اللعب مع أقرانها من الفتيات، بل تعشق المكوث مع الكبار والتقاط أحاديثهم"، وشددت على أنها لا تشجع طفلتها مطلقًا على التمادي في عالمها، وقالت: "نضوج المشاعر مبكرًا أمر خطير..".
"سلمى الغفري" أم لأربعة بنات تتراوح أعمارهن ما بين الابتدائي والإعدادي، رأت أن أهم سبب لنشوء هذه الظاهرة هو إهمال التربية، وأردفت قائلة: التربية مهمة جدًّا للبنت.
وبإيماءة غضب اعتبر الأب حسام الحلبي أن أفول زمن البراءة ليس بالغريب وأضاف: "غاب الحياء عن قاموس حياتهن، فواحدة تقف أمام المرآة لساعات لتجرب أدوات الماكياج، وثانية تحلم بالعروس (الزوج)، والثالثة تتحدث بوقاحة عن أشياء يخجل من ذكرها الكبار".
متى أتزوج؟!
حتى في فلسطين.. تكبر البنات قبل الأوان!
"عبير" الطالبة الجامعية اعتبرت أن بلوغ الفتيات النفسي أمر مريع، ومضت تقول: "مرت طفولتنا أحلى ما يكون.. لم تشوِّهها وسائل الإعلام.. اليوم أنظر إلى أخواتي في الابتدائي فأشعر بالأسف وأنا أشاهدهن أمام عيني يكبرن قبل أوانهن.. يتحدثن بلغة مفرداتها شاهقة.. حقًّا أمر مؤسف أن تمشي إحداهن بوَلَه وهي تتمتم: متى أتزوج؟".
تبنِّي الأساليب الغربية في التربية هو السبب في نمو هذه الظاهرة بحسب تأكيد الشاب رامي العمري الذي يتابع قائلاً: "هناك أسر تتباهى بأن بناتها الصغار يفهمن كل شيء.. والأدهى أنها تتفنن في تنشئتهن وفق هذا الأساس فتضيع البراءة وتندثر الطفولة".
وعلى الرغم من اعترافها بأن الصغار ما عادوا صغارًا، فإن أم سامي أكدت أن الخطأ والذنب لا يقع على البنات إطلاقًا، واستدركت: "نحن من يقتل براءتهن حين نغمض أعيننا عن توجيههن وإرشادهن نحو الصواب، وحين نغفل عن مراقبة ما يقرأن ويشاهدن بحب وتفهم..".
الأسرة هي الحل
"لماذا" و"كيف" و"هل" وباقي غيوم الاستفهام حطت على طاولة الحوار مع أستاذ علم النفس والمحاضر بكلية التربية بجامعة الأقصى الدكتور "درداح الشاعر" الذي بدأ حديثه لشبكة "إسلام أون لاين.نت" مؤكدًا تنامي ظاهرة البلوغ النفسي للفتاة قبل البلوغ الجسدي قائلاً: "نعم، هناك عوامل تؤثر في نمو الفتاة مبكرًا كالمناخ والغذاء والوراثة، ولكن هناك مؤثرات داخلية نفسية تلعب دورًا كبيرًا في نضوج المشاعر والأحاسيس وهي الأخطر على البنات..."، وأشار إلى أن ارتداء الطفلة ثوب الكبار والتحليق في عالم آخر غير عالمها يدعها حبيسة الأفكار والأحلام وينعكس بالسلب على مستقبلهن. واستدرك مستنكرًا: "في سن الطفولة تتحدث الفتاة عن الزواج والعروس (الزوج) والحب، فماذا تركت إذن لمرحلة الشباب؟!".
وعن أهم العوامل المساهمة في هذا النوع من البلوغ شدد على أن الإعلام يقف في أول صف المتهمين، وتابع: "هناك طوفان إعلامي، سواء عبر الفضائيات أو الإنترنت أو الصحف والمجلات يجرف كل القيم ويكسر كل حواجز الحياء، ولا يتوانى الإعلام عن تقديم صورة الطفلة على أنها أنثى ناضجة تتحدث عن الحب والهيام".
ولم يغفل الشاعر عن دور الأسرة والبيئة المحيطة بالتسريع في بلوغ البنات النفسي، وقال إن بعض الأسر لا تأبه إذا ما جلست بناتها الصغار على مائدة التلفاز ونظرن إلى الأغاني والمسلسلات بما تتضمنه من مشاهد وعبارات تفوق قدراتهن العقلية والنفسية، وتلك الأسر لا تكلف نفسها بممارسة دور الرقابة والتوجيه والإرشاد، وأضاف: "المدارس صاحبة الدور التربوي المفقود أسهمت في جعل قلوب هؤلاء البنات في مهبّ عواصف الخطر".
وعن العلاج كرّر لفظة "الأسرة" ثلاث مرات، ومضى يقول: "الإعلام لن يتغير، بل ربما يأتينا ما هو أدهى وأمر، فحتى البرامج الموجهة للصغار لم تَعُد بريئة، ومن هنا كل الدور يقع على عاتق الأمهات والآباء في حماية صغارهم عبر التنشئة الدينية وأسس التربية السليمة.. مطلوب أن نرفع شعار: "ربُّوا بناتكم لزمانهن".